عن الكتاب
أو رغبة منهم في عدم تقليب الماضي والتسبب في إزعاج الآخرين ، أو بسبب التأجيل المستمر حتى يفوت الوقت ، أو بسبب غياب مهارة التوثيق ، لا أزعم أن القارىء سيجد في هذا النص أحداثًا غيّرت مجرى التاريخ ، لكنني أؤمن بأننا جميعاً حصيلة تفاصيل صغيرة اجتمعت وأنتجت واقعاً مغايراً لما سيكون عليه الأمر لو لم تحدث . هذه التفاصيل وسط العناوين الكبرى التي نستيقظ ونبيت عليها كل يوم في الصحافة وقنوات التلفزة [ ... ] هو عدنان الجلجولي الطبيب والسياسي وأحد رواد العمل الخيري في الأردن . تولى حقيبة وزارة الصحة في مطلع عام 1990 ، وساهم في إنشاء عدد من المؤسسات الطبية ، وإطلاق عدد من المبادرات الخيرية منذ سبعينيات القرن الماضي وهو يقول بأنه ولسنوات بقيت فكرة كتابة سيرة حياته هاجساً ينمو كلما تقدم به العمر . فقد كان ولا يزال يعتقد أن فيها ما يستحق أن يوثّق ليروي تجربة طفل خرج من قريته للمرة الأولى في عام 1945 ولمّا يتجاوز الثالثة عشرة من عمره ... لتقوده الدروب جائلاً بين عدة من قبل أن يستقر به المطاف في مدينته بعدها بإثنتي عشرة سنة ، ومنها انطلق ليشكّل تجربته الخاصة في مسارات فكرية وسياسية ومهنية وإجتماعية . في رمضان من عام 2013 جلس في صالون بيته قبيل الإفطار أمام كاميرا فيديو صغيرة مثبتة ، وشرع يروي لبعضٍ من أهل بيته تفاصيل هذه الجربة في عشر جلسات شكّلت المادة الساسية لسيرته التي ضمها هذا الكتاب ، معتمداً في ذلك على ذاكرته . مضيفاً بأن تفاصيل كثيرة ما زالت حاضرة كأنها حدثت بالأمس ، وبعضها اختلط وشابته غشاوة . بعدها كان لا بد له من بحث وتدقيق وتوثيق ، وأَخْذٍ وردٍّ بشأن كيفية إخراجها بالشكل الأكثر فائدة للقارىء .. وقد كان محظوظاً بمجموعة من الوثائق التي كانت محفوظة لدى العائلة في قريته منذ نهايات القرن التاسع عشر . حجج أراضٍ ، عقود زواج ، وثائق تعريفية رسمية من العهد العثماني وما يعده ، رسائل متبادلة وصحف صادرة في القدس ويافا تعود إلى بدايات القرن العشرين . لكن أجملها كانت تلك الكراسات التي احتفظ بها والده ، وسجّل فيها بخطة الأنيق يومياته على مدى سنوات من حياته ؛ حسابات خاصة بالمحاصيل والمزروعات ، عمليات بيع وشراء ، أحداث يومية مرت به ، ومشاعر انتابته . ليس من السهل أن يصدق المرء اليوم أن رجلاً بسيطاً محدود التعليم في قرية لا تكاد أن تكون معروفة امتلك مهارة التوثيق بهذا الشكل قبل ما يقرب من مائة عام . وإلى ذلك فصاحب هذه السيرة ، وفي مستوى ما ، هو فلسطيني ومهاجر ، وفي مستوى آخر .. هو طبيب أردني متمرس . وفي ثالث .. هو ناشط إسلامي ملتزم . وفي رابع هو من أبناء الطبقة الوسطى المهنية التي استقرت في عمّان الغربية ، وغيرها الكثير من المستويات التي يمكن قراءته من خلالها . وعليه .. فإن ما تضمنه هذا الكتاب هو محطات حددت معالم حياة امتدت لأكثر من ثمانين عاماً ، وشكّلت مجتمعة ما انتهى إليه صاحبها اليوم . وها هو ، يترك لذاكرته أن تسيل من دون عوائق ، عسى أن يجد القارىء في ما كُتب شيئاً مفيداً ... أو على الأقل .. ممتعاً .