عن الكتاب
أحيانًا تستهويك المذكرات وأحداثها وتفاصيلها، وفي أحيان أخرى يستهويك صاحبها صانع الحدث أو المشارك فيه أو الشاهد عليه، فما بالك حين تشدّك المذكرات مثلما تتابع سيرة كاتبها.أُعجبت بمذكرات د. محمد جواد فارس مثلما أنا معجب بشخصيته وشجاعته وتواضعه، ولا يمنع ذلك من الاختلاف في بعض توجّهاتنا ووسائلنا في التعبير عنها، ناهيك عن بعض المواقف، لكنني كنت على تواصل مستمرّ معه طيلة ما يزيد عن 5 عقود من الزمن.يتمتّع فارس بحيوية فائقة، فهو شخصية اجتماعية منفتحة، ولديه علاقات واسعة على الصعيدين العراقي والعربي، وبشكل خاص الفلسطيني، حيث عمل في المستشفيات الفلسطينية، وتطوّع خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982 لمعالجة الجرحى وتقديم المساعدة الطبية للمقاومين وعموم الفلسطينيين واللبنانيين، مثلما كان يتحلّى بروح إنسانية باهرة، فقد تطوّع قبل ذلك ضمن الفريق الأممي (كطبيب) للعمل في أنغولا.وكان في الشام مرجعًا لجميع العراقيين بمختلف توجّهاتهم، يحمل سماعته ويواصل فحص مرضاه ويُعيد البسمة إلى وجوه الأمهات بمعالجة الأطفال ويزيل الهم عن الشيوخ بتخفيف الآلام، وفي أغلب الأحيان يوفر الدواء المجاني لهم ويزورهم ليطمئن على صحتهم.وفوق كلّ ذلك، فالدكتور محمد مبادر ومجتهد أخطأ أم أصاب، وهو ما تُظهره مذكراته الغنيّة بالعبر والدروس، فلا يتوان من النقد والنقد الذاتي، فالمواقف والآراء تحتاج إلى مراجعة وتدقيق باستمرار، فما بالك بمسيرة زادت عن 5 عقود من الزمن في ظلّ السجون والمنافي والاستبداد.