عن الكتاب
فيما نقرأُ كلمةً بعد أخرى، في “قاموس ماتشياو” سنكتشفُ أنَّ الكلماتِ ليست فقط تعبيراً عن معانٍ واضحةٍ أو مُضمَرة، وإنَّما هي الحياةُ كذلك، لدى سكانِ قريةِ “ماتشياو” في جنوبِ الصين، الأمرُ الذي يمكنُ مقارنتُه بقاموسِ أيِّ قريةٍ في العالمِ وبحياةِ سكَّانِها.الكلماتُ إذَن ليست مجردَ رموزٍ دلالية، والقاموسُ حتى لو بدا محايداً، فإنَّه من مكانٍ إلى مكانٍ آخر، يصبحُ تأصيلاً لأشكالِ الحياةِ لدى الناس ومداركِهم وانحيازاتِهم، ويقدمُ الكاتبُ “هان شاو غونغ” تأصيلاً لحياةِ سكَّان قريةِ “ماتشياو” من خلالِ “قاموسِهم اليومي” وبالكلماتِ التي تكتسبُ دلالاتِها من استخدامِ سكَّانِ القريةِ لها. هذه الروايةُ الاستثنائيةُ الفذَّةُ في الأدبِ الصيني الحديث، وفي الأدبِ العالمي كذلك، لا نظيرَ لها سوى روايةِ “قاموسُ الخزر” للكاتبِ الصربي “ميلوراد بافيتش” التي صدرت عام 1984، إذ يعتمد الكاتبان الصيني والصربي القاموسَ أو المُعجمَ منهجاً للسردِ الروائي، وإذ تُرجمَت رواية “قاموسُ الخزر” إلى لغاتٍ كثيرةٍ ليس منها اللغةُ العربية، فإنَّ هذه هي الترجمةُ العربيةُ الكاملةُ عن اللغةِ الصينيةِ لرواية “قاموس ماتشياو”.وعلى أيِّ حال، إن كنت تعتقد أن كلماتٍ مثل “تبدَّد” أو “طعام” أو “أهلية” لها دلالةٌ موحدةٌ حتى داخلِ الصين نفسِها، فإنَّ قراءةَ “قاموس ماتشياو” ستعيدُكَ من الكلماتِ إلى الحياة، كما لو كنَّا نخترعُ الكلماتِ لأوِّلِ مرَّةٍ للإشارةِ إلى الواقع، وهو هنا واقع “قرية ماتشياو وقاموس سكَّانها” وسنعرفُ أنَّ ثمةَ قواميس إنسانية للكلماتِ تعني البشرَ والحياةَ والمجتمعاتِ قبل أنَّ تعني اللغةَ في حدِّ ذاتِها.