عن الكتاب
حكايات الجد يفتتح الجد "كامونقة" الرواية وهو الـ "زول حكاي" الذي يتلقف رجال القبيلة ونساؤها وأطفالها حكاياته حول جمر الحفرة. وللجد فلسفته التي تلتبس فيها الحياة بالحكاية. فالحياة التي نعرفها بحسبانه هي ثوان في الظل، وليست كل شيء، لأن كلًا منا مسكون بكائنات خفية ترتب حياته الوهمية، وليس هذا سوى سانحة مبكرة للأسطوري في عالم رواية "فستق عبيد". تبدأ حكاية كامونقة باختطافه وسوقه إلى زريبة العبيد حيث يبيعه النخاس للتيجاني تاجر السمسم الكردفاني الذي لا أغلال لديه للعبد ولا سوط. وقد غدا العبد كامونقة خادم سيده وحارسه وأمين أسراره. ويقتحم الملخص السردي الحكاية، كما سيلي مرارًا في الرواية، لتقدم الوقائع التاريخية، ومنها ثورة المهدي الذي خرج من عباءة الصوفية إلى قتال "الكفار" الإنجليز، وقطع رأس مبعوث بريطانيا العظمى غوردون وكتب للملكة: "أسلمي تسلمي"، ووعدها، إن حَسُنَ إسلامها: "ربما زوجناك من أحد أمرائنا". وكان المهدي قد منع بيع العبيد في أم درمان، وضم الرجال منهم إلى جيشه أحرارًا. يعبر التيجاني وعبده في سوق الإماء، حيث ينادي النخاس على بضاعته: هذه زَرْقة "شديدة السواد" وهذه مفصّدة "مكوية" وهذه صفرا مولّدة "دمها أبيض أسود" وهذه دينكاوية وهذه في سنونها فلجة.. وتقدح شرارة كامونقة إذ يرى العبدة التي سيسميها اللمون، وستكون الجدة كما هو الجد، إذ يلبي التيجاني رغبة عبده بشرائها وتزويجها له. وحين يزور التيجاني خليفة المهدي يركب على كامونقة عفريتٌ اسمه "الجهاد" مضمرًا طلب الحرية، فيترك وامرأته التيجاني، وينخرط في جيش الخليفة الذي يخوض الحرب ضد المصريين والإنجليز، وهنا ينتأ الملخص السردي / التاريخي، مثله في هزيمة حاكم دارفور على دينار أمام المصريين والإنجليز أيضًا. يفر كامونقة وزوجته من الحرب إلى قبيلته الموسومة بالمجانين. ثم يرحل الجد وأسرته إلى "نيالا" حيث يزرعون سهل الرمل الأصفر بالفول السوداني أي ما يعرف بفستق العبيد، لأنه يمكن أن يوقع المرء في العبودية. فقد كان الواحد من قطاع الطرق و"الجلّابة" يكمن خلف شجرة، ويمد كفه لطفل جائع هامسًا (مجاوه مجاوه) أي: حبات الفول السوداني، وبذا يخطفون الأطفال ويبيعونهم. لكن كامونقة صار يزرع الفستق ليشبع الأطفال، ولا يمضون إلى العبودية بأقدامهم. حكايات رحمة بعد جدّها، تتولى رحمة السرد، وهي التي كانت حكاياته تضجرها، بخلاف السامعين. وكجدها، تبدأ حكايتها باختطاف النهاضين لها، وسوقها مع الفتية الطرائد بسلاسل الأقدام والدوائر الخشبية الثقيلة التي تغلّ الأعناق. ويبيع النخاس الجزائري اليهودي رحمة إلى التاجر البرتغالي ساراماغو الذي يناديها رفمة، فيكون لها اسم ثان، كما كان لجدها اسم أول هو سيد قبل أن يُسمى كامونقة، ثم صار له اسم معتوق كما ستتعدد أسماؤها. كان اليهود الجزائريون من أصل فرنسي، كما تخبر الساردة، سادة تجارة العبيد على البحر المتوسط. وكان النخاسون يهرّبون العبيد تفاديًا للدوريات التي تبحث عنهم، وبخاصة بعد اتفاقية جنيف لإلغاء الرق. لكن العبيد ظلوا يتدفقون على أوروبا وأميركا الموقعتين على الاتفاقية. وهكذا يمضي ساراماغو بالعبدة الزنجية الشابة التي تشبه المهرة، على ظهر السفينة كابرال إلى مرفأ الجزائر، حيث ينزلان عند صديق مسلم، ويدعي ساراماغو أنهما زوجان. وإذ يضاجع رفمة المسلمة تراه ودودًا ودافئًا، وتحب أن يكونا رجلًا وامرأة، ولم تعد تتذكر عبوديتها. وعندما صعدت ثانية إلى السفينة، أشاحت عن سلسلة العبيد الذين باتوا في نظرها أشياء لها لون قاتم. وتتألق الرواية في هذا التصوير لدخيلة رحمة، كذلك عندما تعود أمةً وساراماغو سيدًا على السفينة المبحرة في بداية الحرب العالمية الثانية إلى جبل طارق. ولئن كان البحر قد عقد هدنة غريبة بينها وبين البيض على السفينة، فباتت بوعي منها وتخطيط فردًا في جماعة، فقد أنجزت القطيعة مع ساراماغو الذي أصابته بالذعر جرأة نظراتها الاحتقارية له. وفي تلك اللحظة قررت رحمة أن تصير بيضاء، وجمدت مشاعرها، وكبرت زمانًا لا يعد ولا يحصى وهي ترى سيدها مرتبكًا ومتصاغرًا في طريقه إلى قريته. منذ هذا الموضع في الرواية، تبدأ الشخصيات بالتكاثر، حتى لتشبه نثارًا. وسيحكي كل منها حكايته، فتتشظى الرواية حكايات، منها ما يواصل الحفر في تاريخ العبودية، ومنها ما يواصل حكاية رحمة، فحكاية ابنتها. وبداية ذلك تكون مع وصول ساراماغو وعبدته إلى قريته ومزرعته "ديدو": الشهيرة بعنبها ونبيذها، وحيث يطأطئ أمام استبداد زوجته كارولينا ابنة الكونت. من قصة الكونت إلى قصة عشق ساراماغو وكارولينا فزواجهما فإقامة المزرعة، إلى قصة سانشو المحامي الشاب، شقيق كارولينا الذي يتفاخر بشاعر البرتغال العظيم بيسوا ويردد من أشعاره، حرفيًا وبتصرف، ما سيكون متناصات غزيرة في الرواية، تنضاف إلى المتناصات الصوفية فيما ينشد أتباع المهدي في حضرة الخليفة من "راتب – أنشودة" المهدي. كما يتحدث سانشو عن الشخصيات التي اخترعها بيسوا، ويعدها مرايا لنفسه هو. يتوالى التشكل الجديد لرحمة، فتتعلم البرتغالية، وتتساءل عمن تكون بينما تتعدد أسماؤها. فبعد رحمة التي لفظها ساراماغو رفمة، تصير فاتيما التي تتلون في الألسنة، لكن قلبها "أسود حار" لا يتلون، والرجال يغدون مثل وحوش الغابة. وهذه العازمة على التعلم عازمة على أن تكون البيضاء الباردة الحكيمة بجدارة. وهنا تتميز من نثار الشخصيات العبدة المسلمة العجوز "آوا" التي تصلي لمن تحسبه إلهًا لا يشبه من يصدحون باسمه في مآذن السنغال ولا هذا المصلوب على جدران كنيسة "ديدو". إنها تصلي لإله يرأف بحال رحمة التي تراها آوا نسخة عنها، لكنها أكثر اكتمالًا وعزمًا. وفي قصة "آوا" أن سيدها اعتدى عليها وهي طفلة في إسطبل الخيل، فتأسست رؤيتها السوداوات مباحات لمن يستطيع في المزرعة، بينما المسيحيات البيض الطاهرات يرجئن الأمومة متبتلات مبتعدات عن الرجال. تلاقي رحمة الجلد والخنق عندما تدنّس "العبدة الوثنية" السقف المقدس / سطح الكنيسة. لكن العقاب الوحشي، ومنه سوط نيتا شقيقة ساراماغو، لم يخدش روحها إلا عندما حُبست في حظيرة الماعز. وكل ذلك لن يكون بذي بال عندما يفتضح حمل رحمة التي ستتكتم على سرها مع ساراماغو. وكانت آوا قد نصحتها بألا يحمل بطنها نطفة ممن ليس زوجها، لكن رحمة التي عرفت رجالًا من قبل، وظل جسدها يصهل كأنه فرس أصيلة، لم تأخذ بالنصيحة، بينما جن جنون ساراماغو، كأنه مرآة زوجته كارولينا. وطال التحقيق في حمل رحمة ذكور المزرعة، وجلد العبيد منهم، وشويت أذرع الخادمات، طلبًا لسر الحمل. أما رحمة فقد امتلأت بلهفة مفاجئة للحفاظ على حملها، وراحت تحمي رحمها من الضرر الذي أصاب جسدها، وتبدد ألمها فجأة، إلى أن جاءت بابنة "مختلطة" أقرب ما تكون إلى حبة فستق مجاوة تتأرجح في الهواء، منادية من جديد عنوان الرواية. حملت الوليدة اسم "الكريولو" الذي يعني سودًا يجري في دمائهم بياض آبائهم. وستحمل الوليدة اسم لوشيا التي ظهرت لها في طفولتها السيدة العذراء، وبلغتها رغبتها ببناء كنيسة. وقد اتقدت الصورة الروائية لذلك فيما تروي لوشيا من دوران الشمس كعجلة من نار حول نفسها مترنحة. ومثل كشاف جبار أرسلت فوق الرؤوس ألوانًا بهيجة، وبدا كما لو أنها ترقص حول محورها استعدادًا لأن تنقلب، ثم صارت باهتة كما القمر... سانتو أنتاو باسم هذه الجزيرة التي اشتراها ساراماغو، يتعنون الفصل الأخير من الرواية، حيث تُنفى إليها رحمة وابنتها، وتتضافر الشخصيات الثانوية، بينما الرواية تمضي إلى نهايتها، والتي تتولاها الوليدة بخاصة، وكذلك سانشو الذي يطلب منه ساراماغو أن يدعي أن حمل رفمة منه، ففعل. ويتكشف سانشو في النهاية، وبلا مقدمات، عن مثليّ متعلق بالزنجي بيدرو الذي يعزم على مغادرة معشوقه، لكن سانشو يعيده عبدًا له. أما رحمة فتفقد النظر ويتأكلها الجذام، وتعهد بحبة الفستق التي أنجبتها، ولا شبيه لها، إلى ديقو القادم من موطن رحمة. وهكذا يسمي ديقو لوشيا بـ "تركية" ويتزوجها ويعود بها إلى حيث بدأت الرواية. وإذا كان التلخيص واللهاث يسمان هذه النهاية للرواية، ففيها تواصل "تركية" لعبة الأسماء، إذ تسمي الأشجار بأسماء أطياف التقطتها من شطحات أمها. ومن الأشجار واحدة صغيرة تحمل اسم الأم، تلتبس على البنت أحيانًا بين سواها من الأشجار، فإذا برحمة مخلوقة عجيبة مليئة بالأسرار، قادرة على حنان دافق فجأة، لكنه ينضب كما ينقطع المطر.