عن الكتاب
رواية عين الحدأة للكاتب السعودي صالح الحمَد من الروايات نهج التطويل والتكثيف في آن. فتفيّأت ظلال عالم ثلاثيّ الأبعاد، يطلّ منه القارئ من كوى فضاءات حكي تتوارد تناوباً وتقاطعاً وتشافعاً: عالم الرصافة وعالم كاليفورنيا وعالم السجن،حتّى حلول لحظة الإعدام.الرصافة فيها هي مركز الأحداث وبؤرة الحكي المطوّل، لها الحظوة والأثرة وسعة الامتداد في الزمان والمكان بالطول والعرض. مدينة البطل وائل، حيث ولد وترعرع بين أحضان عائلته المصغّرة والموسّعة. فضاء متخيّل. لكنّه واقعيّ مغرق في المحليّة والتسجيل.معرض صور تتحرّك ببطء وأناة، مستعيرة أحدث تقنيات الإخراج السينمائيّ حيث ينبري البيت السعوديّ المحافظ التقليديّ، ناطقاً بميزاته ومؤثّثاته، عابقاً بروائح أطعمته وأبخرته، يبوح للقارئ بالكثير، الكثير من أسراره المعلنة والمخفيّة. فالتصوير الروائيّ محشود بطاقة حسيّة هائلة، تتقصّى أركان العالم المتشظّي، المهدّم، بمسحة فنيّة لا تفرّط في عالم البطل ودواخله من شيء، إلاّ ونقلته بعُدّة ألوان وفيء ظلال متماوجة وعزيف أصوات محشرجة.فلا تدّخر إسماعاً، ولا إبصارًا ولا شمًّا ولا ذوقَا ولا لمساً. غير أنّ الرواية لا تخلو أيضا من مسحة سحريّة ونزعة ما ورائيّة. فـ كلّ شيء في هذا العالم يمرّ تحت إشعاع نظرات قاتمة تجوس ركام الأخيلة وأضغاث الأحلام والرؤى المهشّمة للكائن المفجوع الموجوع يثير الشفقة والذهول، فإذا بنا نكتشف في البطل وائل ملامح شخص مهوس بإيذاء جسده يسيطر عليه سلوك مرضيّ غريب، جعله يؤرّخ تفاصيل مأساته بالرسم على جلدهوتحويل صوى آلامه وقهره إلى لغة رمزيّة مشفّرة، ما علينا سوى فكّ أسرارها.تنبثق من عين الحدأة نظرة السارد الثاقبة لمكنونات النفس البشريّة، حيثما حلّت تنشر حريقا وتخلّف لوعة. فلا تملك حيالها سوى الشفقة المشوبة بالحيرة.