عن الكتاب
أنا مجموعة أفكار ناقصة، لم أهتد إلى ناقلها، ولا إلى زمانها أو مكانها، قيلت ولم أكن منتبهاً لها، فقد كانت ممارسات لم أعد أتذكرها كاملة، ولكنها كانت من الوضوح ما جعلتني أسير في ضوئها حتى وأنا في غارب العمر. ما السبب الذي يجعل حياة شعبية عابرة مثلها مثل حياة الآلاف من أبناء القرى مميزة كي أكتبها، أو أتذكرها مع العلم أنها لم تتشكل وحدها؟.كنت في قرارة نفسي الشابة أن أجد بعض الملاذات الصغيرة لأحتمي بها، فعشت وحيداً بأفكاري ووحيداً لأسرتي، لذا لم يكن أي محاور أتحاور معه، الأم التي تفرح بأية كلمة تصدر مني حتى لو لم تفهمها، والأب الذي يقودني تحت عباءته كل ليالي رمضان كي أستمع لحكايات ألف ليلة وليلة التي يحكيها حكواتي القرية المرحوم عبيد اليوسف، ومع ذلك بقي حواري داخلي أفاجئ به زملائي في المدرسة وبعض المعلمين أيضاً عندما كنت أقول إن واحد زائد واحد يساوي واحد، وعندما كنت أقول إن الأرض كروية وتدور فيجيبني أصدقائي أن باب بيتنا لم يتغير مكانه حتى تلك الفتاة التي أحببتها عندما أقول لها إن الحب قصيدة لا تفهم معنى أن تكون العلاقة بيننا قصيدة، كانت تسخر مني عندما ألامس جسدها فتقول: هل هذه قصيدة؟ كنت أمتلئ ضحكاً أقول لها: نعم قصيدة ولكن ليست مكتوبة، وعندما أحكي حكايتي الخاصة، في مضايف القرية، وفي جلسات الشباب الليلية، وعلى سطوح الدور مع الأصدقاء والفتيات، ففي كل مرة كنت أسرد الحكايات الشعبية والأمثال وعن دوران الأرض، دون أن يفهمني أحد.كان والدي رحمه الله يستمع لبعض هذياناتي، وكان غير مصدق أنني أقولها، ويوم رسمت تلسكوباً نقلته من الصحة والأحياء، وشاهده أبي قال: ما هذا؟ قلت: هذا يرى ما لا نستطيع رؤيته؟ قال: كيف قلت كما يقول المعلم إن الحياة مليئة بالجراثيم والميكروبات ولكننا لا نراها، هذا الجهاز يكشف عنها، لم يقتنع ولكنه كان مؤمناً في داخله بما أقوله. ويوم صدر أول كتاب لي مسكه بيديه ودار به على جلساء مضيفنا بعد أن عمل القهوة ليقول لهم: إن ياسين ألف كتاباً، وكان يهذي طوال سنوات حياته بما فيه، هذه الحادثة حدثت في أوائل السبعينيات وأنا في البصرة آتياً منها إلى بغداد ومعي «قصص عراقية معاصرة »، كتابي الأول المشترك.