عن الكتاب
أولاده الذكور تناثروا حولنا كفخ مُحكم، وكل منهم محتضن نبوته بعزم وانتقام لن ينجو منه أحد، داخلهم حقد سام غير مبرر، وعنف حبيس يغلبهم، وتنفخه أرواحهم الغبية نحونا..كانوا بمثابة تجمُّع من الشر حولنا.. احتقان دموي كاد ينفجر، وكبيرهم ماطًّا عنقه إلى الأمام، ويحدجنا بصبر أوشك على النفاد، وكأنه سيعطيهم الإشارة في أي وقت.كانوا من حولنا مثل حيوانات جائعة تنتظر لحظة القنص القادمة باشتهاء يؤلمهم، ما كل هذا الشر القابع في صدورهم يا رب!والغيطان حولنا ممتدة، وتدعمنا بصوت الهسيس.. ونباح الكلاب البعيدة.. ليل ثقيل يعانق الكون.. وشتاء لا يرحم..كنا في بقعة مخيفة شبه معتمة، والضوء الضعيف للنار المشتعلة بقربنا يجعلنا مثل أشباح وظلال كالحة تتراقص هنا وهناك، مصباح وحيد معلَّق بساق نخلة بعيدة على أول الطريق، وضوءه شاحب ولا يقدِّم مساعدة جديدة لنا، وسرايا “الحاج موسى” الضخمة، قابعة في البعيد قبالتنا، وأنوارها البرَّاقة تصل إلينا ضعيفة، هو أصر أن يقابلنا في أرضه البعيدة الشاسعة، لم يرغب في أن نلقاه في “سرايته” الفخمة.كان يريد إنهاء الموقف هنا في العراء وسط العزلة التي تحاصرنا، وكأنه لا يريد شهودًا على ما سوف يحدث.