عن الكتاب
يشكل الكتاب لبنة في ربط علم الاجتماع بالفلسفة الأخلاقية والتأسيس لنظرية سوسيولوجية للأخلاق، وذلك من خلال نقد بعض مظاهر الحداثة السائلة على شاكلة مايكل هرتسفيلد في كتابه عن الإنتاج الاجتماعي لللامبالاة. فيبين هذا الكتاب كيف أن المؤسسات البيروقراطية قادرة على إسكات الدوافع الأخلاقية وتعليق المسؤولية الأخلاقية بفضل تكنولوجيا الإدارة، “ليس فقط لدى الموظفين، بل أيضا خارج حدود المؤسسة نفسها. فهي: ي تحقق ذلك ليس فقط بالاحتكام إلى دافع الحفاظ على الذات، بل وتعاون ضحاياها واللامبالاة الأخلاقية من جانب المتفرجين”، وقد يظهر امتثال استباقي، “فيبذل الضحايا قصارى جهدهم لإرضاء الجلادين بتخمين مقاصدهم مقدما وتنفيذها بحماسة شديدة، وبهذه الطريقة، يمكن لمديري الإبادة الجماعية تحقيق أهدافهم”.وقد بين باومان بوضوح هذه المفارقة من خلال كتابه الحداثة والهولوكوست الذي يتناول فيه حالة قصوى (الهولوكوست) ليؤسس مقاربة سوسيولوجية لهذا الحدث بوصفه جزءا من الحداثة، أو وجها من وجوهها، وليس بوصفه حالة من الشذوذ أو الجنون الناجم عن انحراف عن الحداثة وطبيعتها، ويطور باومان تحليله النقدي في أمثلة أخرى في كتابه الأخلاق في عصر الحداثة السائلة، ويكشف كيف تقوم الحداثة السائلة بتسهيل عملية القضاء على الالتزامات الأخلاقية عن طريق المعالجة الإحصائية للأفعال البشرية، واختزال الأفراد إلى مجرد أرقام، فيفقدون طابعهم المميز، ويحرمون من وجودهم المستقل بوصفهم والتزامات أخلاقية. أصحاب حقوقهذا الكتاب يؤسس للتفكير السوسيولوجي من خلال هذا الحقل العملي الذي يتيح لنا عدسات يمكننا من خلالها رؤية أنفسنا والآخرين والمجتمع ككل، فينظر للسوسيولوجيا بوصفها مهنة ورسالة تتطلب “مزيجا متوازنا من الثقة بالنفس والتواضع. كما تتطلب بعضا من الشجاعة؛ ولذا فإن تفسير التجارب الإنسانية ليس نمط الحياة الذي يمكن أن نوصي به الحائرين”.