عن الكتاب
وقوله جل ثناؤه {قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون } ( سورة الأنعام: 50). ويعد التفكير مصدرا لتزويد الأفراد بمجموعة من الإستراتيجيات يستطيعون من خلالها التفاعل والتعامل مع البيئة التي ينتمون إليها بشكل أفضل، وهو من أرقى العمليات النفسية التي نستطيع من خلالها الوصول إلى مستويات محردة وأكثر تعقيدة لمعاني الأشياء والأحداث والعلاقات الموجودة بين هذه الأشياء والأحداث ، وذلك للتغلب على الصعوبات التي تواجهنا. ويدين العالم للمبدعين من أبنائه، بكل ما أحرزه من تقدم في العلوم والفنون والآداب ، وما توصل إليه من حضارة إنسانية شامخة . وفي ظل التقدم الحضاري المطرد ، تتسابق المجتمعات في جميع الميادين ، ووسيلتها في ذلك استثمار كل طاقاتها وإمكاناتها وثرواتها ، وعلى رأسها الثروة البشرية ، فهي المحرك لكل القوى الأخرى ، وبدونها تصبح الثروات والإمكانات الأخرى عديمة القيمة ، فالبترول والمعادن موجودة في باطن الأرض منذ آلاف السنين ، والشمس موجودة منذ بدء الخليقة . ولم تتحول هذه المصادر إلى تلك الطاقة الهائلة التي تدور بها عجلة التكنولوجيا إلا عندما وُجِدَ الإنسان القادر على اكتشافها واستغلالها ، ولم يكن ذلك وليد الصدفة ، ولكن نتيجة لإعمال الفكر ، والجهد الذي بذله الإنسان بشكل منتظم ومحسوب ، إلى الحد الذي جعل التقدم العلمي في الوقت الحالي لا يحدث كل فترة - كما كان من قبل - وإنما كل يوم هناك جديد ، يضيفه الإبداع العقلي للإنسان ، من أجل تطوير الحياة الإنسانية ، وتحقيق التقدم والرخاء . والتفكير الإبداعي يزود المجتمع بالأفكار التي يفتقر إليها دائما والتي يتطلع إليها بهدف نقله من التقليدية إلى المعاصرة والتحديث والسير والإتفاق على معايير المجتمعات الحديثة ، فالإبداع هو القدرة على خلق البديع الذي قد يكون رسما أو نغمة أو فكرة أو نظرية أو تمثالا أو اختراعة ، والعمل المبدع لايصدر إلا من شخص خلاق مبدع ، له خصائصه وتفكيره. ويتميز الإنتاج في التفكير الإبداعي بخصائص فريدة تجعله يتمتع بالجدة المبتكرة "الأصالة" أو بالتنوع الثري للأفكار " المرونة " أو بالتعدد الشامل للأفكار المتصلة بالموقف "الطلاقة" أو بالتحسين والتطوير والتوسيع " الإفاضة" ، فالمبدعون أمل الأمة والقادرون على النهوض بذواتهم ومجتمعاتهم إلى أرقی درجات التقدم والرقي الإنساني، ويرى البعض أن الإبداع وسيلة فاعلة لتقليص الفجوة الحضارية والعلمية بين الأمم، وهو أيضا عامل حاسم في تقدم المجتمعات في كل مجالات النشاط الإنساني ، لأنه يمثل شكلا راقية للنشاط الإنساني ، ويساعد على تحقيق الذات وتنمية الشخصية ويساعد على تكوين العديد من العلاقات والأفكار، ويوفر بدائل عديدة لحل المشكلة ويتجنب التتابعية المنطقية، وعملية المفاضلة والاختيار ، والبعد عن النمط التقليدي الفكري وتعديل الإنتباه إلى مسار فكري جديد ، فاهتمام المجتمعات البشرية بالإبداع يرجع إلى عدد من العوامل منها مايتميز به العصر الحالي من ثورة علمية وتكنولوجية وتفجير في المعرفة وتطور سريع وتنامي حاجات الفكر الأساسية والإجتماعية إلى حاجات تقديم الأفكار الجديدة غير النمطية، وما يحمله المستقبل في طياته من احتمالات غير منظورة على الانسان أن يواجهها بإبداع ، وأن يتعامل معها بأصالة ، ويتناولها بمرونة. ويتألف هذ الكتاب من خمسة فصول، يتناول الفصل الاول التفكير من حيث مفهومة ، ومهاراته المختلفة وأهميته. في حين تناول الفصل الثاني الابداع والمبدعين. بينما جاء الفصل الثالث تحت عنوان التفكير الابداعي الماهية والتعريف. بينما تطرق الفصل الرابع لاساليب تنمية التفكير الابداعي. واختتم الكتاب بالفصل الخامس الذي تناول عدد من الدرايسات التطبيقية في مجال التفكير الابداعي. والله أسأل أن ينفع به طلاب العلم في كل مكان وزمان، والله من وراء القصد. محمد عبد السلام