عن الكتاب
يستذكر تولستوي حينما كان يكتب الجزئية التي تُلقي فيها بطلة الرواية بنفسها أمام القطار في آنا كارنينا، بأنه انكفأ على مكتبه وأخذ يجهش بالبكاء، فموت آنا كارنينا جعل التحكّم في مشاعره أمرًا مُستحيلًا. ويقول تولستوي بأنه لم يُرد لآنا كارنينا أن تموت، ولكن قدرها وشخصيتها هما من قاداها إلى الإلقاء بنفسها أمام القطار بشكلٍ حتمي. وهكذا الحال مع جميع كُتّاب الواقعية العُظماء من القرن التاسع عشر، الذين وجدوا أنفسهم في تجربة يكونون فيها غير قادرين في التحكم بمصائر شخصياتهم، بل ينقادون هم أيضًا مع أقدار هذه الشخصيات المحتومة. ويعتبر جميع كُتّاب الواقعية العُظماء بأنهم مجرد متحدثين بألسن شخصياتهم، ويشعرون بأن شخصياتهم الخيالية تحل محلّهم من ناحية الأهمية والمغزى.يمكننا القول بأن الأمر يشبه كما لو أنه حينما قررّت نورا أن تترك المنزل، لم يتمكّن هينريك إبسن أن يمنعها من فعل ذلك بأي طريقةٍ كانت. إن الكاتب مجرد راوٍ خلف الكواليس، ولا يملك لا السلطة ولا القدرة على التحكّم بمصائر شخصياته. وكلما قّل تحكّم الكاتب بقدر شخصيته، بدت تلك الشخصية أكثر انتعاشًا وحيويةً، والعكس صحيح، إذا ما كان للكاتب يدٌ في اتجاه القصة وقدر الشخصية، بدت تلك الشخصية جامدة وواهنة. والأمر سيّان في أدب الواقعية، كلما كانت سلطة الكاتب ومكانته أقل فيما يتعلق بمصير شخصيته كان ذلك أفضل. بمعنىً آخر، أفضل ما يمكن للكاتب أن يفعله هو أن يختفي.في هذا العمل الهام، يغوص بنا (يان ليانكه) في أبعادٍ مختلفة للأدب، محاولًا سبر أغوار الكتابة والواقعية وفرضياته حولهما، كاشفًا عن أهم الأعمال التي ألهمته وشكّلت تجربته ووعيه الأدبي،جامعًا فيه أهم الأسماء في تاريخ الأدب والرواية، ومانحًا إيّانا نظرةً متفحصة في تاريخ وأحوال الرواية الحديثة والمُعاصرة.