عن الكتاب
عالج الرافعيُّ الشعر، وكابد لأواء قوله، ثم تصدى لنقده وفلسفته، فكان بصيرًا به، عارفًا بمنازعه، خبيرًا بتمييز جيده من رديئه، افتنَّ في الكشف عن أسراره والتدسُّس إلى خوافيه، ونصب الموازين للشعراء، يحاسبهم بمثاقيل النغم، ويحصي عليهم هفوات الحرف وعثرات الذهن وكبوات القوافي، ويدلُّ مقتدرًا على مواضع إحسانهم ومواطن زللهم، ببيان عالٍ، وحجَّة حاضرة، وظرفٍ مطبوع، وأخذٍ يترفَّق تارة ويبطش أخرى. يستمدُّ ذلك من علم غزير بالتراث البلاغي، ومن اطلاع واسع على كتب صناعة الشعر ونقده، ومن إلمام مفصَّل بتاريخ الأدب العربي في أدواره المختلفة، ويتكئ على ذاكرة سخيَّـة واستحضارٍ مدهش، وعلى ذكاء لمَّاح يتنبَّه لخفيِّ المآخذ ويهتدي إلى دقيق السَّرقات ويقرأ ما لا تقرؤه الأعين المتعجِّلة، ويمتحُ من بصر نافذ إلى روح الشعر وما ينبغي أن يكون عليه، ويقاتلُ بسيفٍ صمصام من الموهبة والاستعداد الفطري المتوقد. فلا جرم أن يكون تراثه في هذه الأبواب متعةً للروح، وغذاءً للعقل، وصقالًا للذوق، وصونًا للقريض من عجمة اللسان وعيِّ الفكر واضطراب الرأي.وفي هذا الكتاب جمهرة مقالات الرافعي ومقدمات دواوينه وجنوده وبنوده في صون القريض والذود عن عموده، فلسفةً لحقيقته، ودراسةً لبعض شعرائه، ونقدًا لما لم يستقم منه على طريقته، جمعتها من كتبه المنشورة، وهي الأقلُّ، وممَّا ترك من تراث ما زال جزءٌ منه مطويًّا في بطون المجلات والصُّحف لعهده، وهو الأكثر. ومن نماذج النصوص المندثرة التي أحيا الكتابُ مواتها وتنشر أول مرة في كتاب: مقال «الشعر العربي» وهو أول ما وصلنا من مقالات الرافعي طرًّا، نشره في مجلة «المنار» وهو في العشرين من عمره، ومقال «الموازنة بين أبي تمام والبحتري والمتنبي»، ومقال «إمارة الشعر»، ومقالات نقد «القصيدة العُمَرِيَّـة» لحافظ، وغيرها.