عن الكتاب
عبر الشوارع المظلمة، هرب أغنى رجل في بغداد لينجو بحياته. قبل ذلك بساعات فقط، قام والد ديفيد ساسون بدفع فدية لإخراجه من السجن حيث قام الحاكم التركي والي بغداد بإيداعه السجن، وهدد بشنقه إذا لم تدفع الأسرة فاتورة ضريبية باهظة. وهناك الآن قارب يرسو في انتظار أن يأخذ ديفيد البالغ من العمر 37 عامًا إلى بر الأمان. ربط حزام نقود حول خصره وارتدى عباءة.وقام الخدم بوضع اللؤلؤ داخل بطانة العباءة وشرعوا بخياطتها. كتب مؤرخ العائلة واصفًا الموقف: «لم تظهر سوى عينيه اللتين كانتا تفصلان بين العمامة والعباءة الملفوفة حول جسمه وهو يتسلل عبر بوابات المدينة التي عاشت فيها أجيال من أقاربه وكانت محط تقدير واحترام. كان ذلك عام 1829. حيث عاشت عائلته في بغداد مثل الملوك لأكثر من ثمانمائة عام.كان فرار اليهود من الحكام القمعيين حدثًا تاريخيًا شمل اليهود في مناطق متعددة من العالم حتى حلول القرن التاسع عشر. فقد تم طردهم من بريطانيا عام 1290، ومن إسبانيا عام 1492. وكانت مدينة البندقية قد أمرت باحتجازهم في الأحياء اليهودية ابتداء من عام 1516.علمًا أن أهوال الإبادة الجماعية (الهولوكوست) لم تكن قد حدثت بعد.كانت رحلة ديفيد ساسون مختلفة. عاش اليهود دائمًا على هامش المجتمع في أوروبا. ولكن لأكثر من ألف عام، ازدهرت حياة اليهود في بغداد، المعروفة في الكتاب المقدس باسم بابل. وكانت بغداد تعد أكثر من أي مدينة في أوروبا، بل وأكثر من القدس مفترق طرق للثقافات منذ سنة 70 إلى 1400. عندما كانت أوروبا غارقة في ظلام العصور الوسطى، كانت بغداد واحدة من أكثر المدن عالمية في العالم. كانت موطنًا لبعض علماء الرياضيات واللاهوت والشعراء والأطباء الرائدين في العالم. كان يتم نقل الصوف الخام والنحاس والتوابل على طول طرق القوافل عبر الصحراء. وكانت الأسواق مليئة باللآلئ والفضيات. وكان يجتمع التجار والأطباء والفنانون في مقاهي بغداد. كان قصر الحاكم محاطًا بثلاثة أميال مربعة من الحدائق المشجرة، مع نوافير وبحيرات مليئة بالأسماك.